سورة الحاقة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)}
أي فيومئذ قامت القيامة الكبرى وانشقت السماء لنزول الملائكة: {فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} أي مسترخية ساقطة القوة {كالعهن المنفوش} بعدما كانت محكمة شديدة.


{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)}
ثم قال تعالى: {والملك على أَرْجَائِهَا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {والملك} لم يرد به ملكاً واحداً، بل أراد الجنس والجمع.
المسألة الثانية: الأرجاء في اللغة النواحي يقال: رجا ورجوان والجمع الأرجاء، ويقال ذلك لحرف البئر وحرف القبر وما أشبه ذلك، والمعنى أن السماء إذا انشقت عدلت الملائكة عن مواضع الشق إلى جوانب السماء، فإن قيل: الملائكة يموتون في الصعقة الأولى، لقوله: {فَصَعِقَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض} [الزمر: 68] فكيف يقال: إنهم يقفون على أرجاء السماء؟ قلنا: الجواب من وجهين:
الأول: أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون الثاني: أن المراد الذين استثناهم الله في قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68].
قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثمانية} فيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا العرش هو الذي أراده الله بقوله: {الذين يَحْمِلُونَ العرش} [غافر: 7] وقوله: {وَتَرَى الملائكة حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} [الزمر: 75].
المسألة الثانية: الضمير في قوله: {فَوْقَهُمُ} إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان الأول: وهو الأقرب أن المراد فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء والمقصود التمييز بينهم وبين الملائكة الذين هم حملة العرش الثاني: قال مقاتل: يعني أن الحملة يحملون العرش فوق رؤوسهم. و(مجيء) الضمير قبل الذكر جائز كقوله: في بيته يؤتي الحكم.
المسألة الثالثة: نقل عن الحسن رحمه الله أنه قال: لا أدري ثمانية أشخاص أو ثمانية آلاف أو ثمانية صفوف أو ثمانية آلاف صف.
واعلم أن حمله على ثمانية أشخاص أولى لوجوه:
أحدها: ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية». ويروى: «ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون». وقيل: بعضهم على صورة الإنسان وقيل: بعضهم على صورة الأسد وبعضهم على صورة الثور وبعضهم على صورة النسر، وروي ثمانية أملاك في صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاماً، وعن شهر بن حوشب أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك الوجه الثاني: في بيان أن الحمل على ثمانية أشخاص أولى من الحمل على ثمانية آلاف وذلك لأن الثمانية أشخاص لابد منهم في صدق اللفظ، ولا حاجة في صدق اللفظ إلى ثمانية آلاف، فحينئذ يكون اللفظ دالاً على ثمانية أشخاص، ولا دلالة فيه على ثمانية آلاف فوجب حمله على الأول الوجه الثالث: وهو أن الموضع موضع التعظيم والتهويل فلو كان المراد ثمانية آلاف، أو ثمانية صفوف لوجب ذكره ليزداد التعظيم والتهويل، فحيث لم يذكر ذلك علمنا أنه ليس المراد إلا ثمانية أشخاص.
المسألة الرابعة: قالت المشبهة: لو لم يكن الله في العرش لكان حمل العرش عبثاً عديم الفائدة، ولا سيما وقد تأكد ذلك بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة: 18] والعرض إنما يكون لو كان الإله حاصلاً في العرش، أجاب أهل التوحيد عنه بأنه لا يمكن أن يكون المراد منه أن الله جالس في العرش وذلك لأن كل من كان حاملاً للعرش كان حاملاً لكل ما كان في العرش، فلو كان الإله في العرش للزم الملائكة أن يكونوا حاملين لله تعالى وذلك محال، لأنه يقتضي احتياج الله إليهم، وأن يكونوا أعظم قدرة من الله تعالى وكل ذلك كفر صريح، فعلمنا أنه لابد فيه من التأويل فنقول: السبب في هذا الكلام هو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه، فخلق لنفسه بيتاً يزورونه، وليس أنه يسكنه، تعالى الله عنه وجعل في ركن البيت حجراً هو يمينه في الأرض، إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم، وجعل على العباد حفظة ليس لأن النسيان يجوز عليه سبحانه، لكن هذا هو المتعارف فكذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله جلس إليهم على سرير ووقف الأعوان حوله أحضر الله يوم القيامة عرشاً وحضرت الملائكة وحفت به، لا لأنه يقعد عليه أو يحتاج إليه بل لمثل ما قلناه في البيت والطواف.


{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة، شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرف أحواله، ونظيره قوله: {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} [الكهف: 48] وروى: أن في القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ، وأما الثالثة ففيها تنثر الكتب فيأخذ السعيد كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله.
ثم قال: {لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية وجهان الأول: تقرير الآية: تعرضون لا يخفى أمركم فإنه عالم بكل شيء، ولا يخفى عليه منكم خافية، ونظيره قوله: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيء} [غافر: 16] فيكون الغرض منه المبالغة في التهديد، يعني تعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلاً الوجه الثاني: المراد لا يخفى يوم القيامة ما كان مخفياً منكم في الدنيا، فإنه تظهر أحوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم، وتظهر أحوال أهل العذاب فيظهر بذلك حزنهم وفضيحتهم، وهو المراد من قوله: {يَوْمَ تبلى السرائر فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ} [الطارق: 9، 10] وفي هذا أعظم الزجر والوعيد وهو خوف الفضيحة.
المسألة الثانية: قراءة العامة {لاَ تخفى} بالتاء المنقطة من فوقها، واختار أبو عبيدة الياء وهي قراءة حمزة، والكسائي قال: لأن الياء تجوز للذكر والأنثى والتاء لا تجوز إلا للأنثى، وهاهنا يجوز إسناد الفعل إلى المذكر وهو أن يكون المراد بالخافية شيء ذو خفاء. وأيضاً فقد وقع الفصل هاهنا بين الاسم والفعل بقوله: منكم.
واعلم أنه تعالى لما ذكر ما ينتهي هذا العرض إليه قال:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8